متابعات _ انباء السودان _ تعد قضية تعدد الزوجات واحدة من القضايا الاجتماعية التي تشكل جزءًا كبيرًا من الموروث الشعبي السوداني، إذ تمثل طابعًا تقليديًا عميقًا في العديد من المجتمعات السودانية. ولكن، ما يميز هذه القضية في السودان هو نظرتها الاجتماعية المستمدة من السياقات الاجتماعية والتاريخية التي تفرزها بعض الظروف الاستثنائية، مثل الحروب والتغيرات الاقتصادية. في هذا السياق، تسلط الدكتورة سلوى عبد المجيد أحمد المشلي الضوء على الأبعاد الاجتماعية والتاريخية لتعدد الزوجات في السودان، لا سيما بعد تداعيات الحرب التي عصفت بالبلاد.
في مقالها، توضح المشلي أن التعدد لا يمكن النظر إليه فقط من المنظور الديني، بل يجب فهمه في إطار اجتماعي ومعرفي يعكس تغيرات فرضتها الحروب والنزاعات. تذكر الكاتبة أن الحرب قد أسفرت عن فقدان العديد من الرجال وارتفاع أعداد الأرامل والأيتام، مما أدى إلى غياب المعيل في العديد من الأسر السودانية. هذا الواقع جعل من تعدد الزوجات خيارًا اجتماعيًا لمعالجة آثار النزوح وتوفير الأمان النفسي والاجتماعي للنساء المتضررات.
وتشير المشلي إلى أن هذا التغير قد يتطلب تغييرًا في فهم وتقبل التعدد، خاصة في المدن الكبرى ومناطق الوسط، حيث أصبحت الحاجة إلى هذا التغيير ملحة في ظل الظروف الجديدة التي فرضتها الحرب. كما تطالب بتدخّل وسائل الإعلام المختلفة والمساجد ودور العلم لتقليل الآثار السلبية الناتجة عن هذا الوضع.
وتستعرض الكاتبة أيضًا بعض المواقف التاريخية التي أثرت في ممارسات تعدد الزوجات في السودان، مثل العهد المهدوي في القرن التاسع عشر، حيث فرض الخليفة عبدالله التعدد بشكل جبري على النساء بعد قتل الرجال في الحروب، وتحويل النساء إلى “مخلفات الحروب” – ما شكل سابقة في الممارسات الاجتماعية تجاه النساء في السودان.
المقال يسلط الضوء أيضًا على بعض الدعوات الحديثة لتعدد الزوجات في السودان، حيث أشار النائب السوداني دفع الله حسب الرسول إلى ضرورة دعم القوات المسلحة السودانية من خلال تعزيز “القوة البشرية” عبر تشجيع تعدد الزوجات، خاصة في ظل الظروف الأمنية الراهنة. كما أشار محمد عثمان صالح، رئيس هيئة علماء السودان، إلى أن زيادة معدلات العنوسة والطلاق، فضلاً عن التحديات الاجتماعية والاقتصادية، تمثل أسبابًا تدعو إلى التفكير الجاد في زيادة حالات التعدد كحل اجتماعي.
وفي تحليل سلوى عبد المجيد، يظهر أن التعدد ليس مجرد اختيار فردي بقدر ما هو رد فعل اجتماعي يتعامل مع الوضع الاجتماعي السائد. وفي مدن وولايات مثل ولاية نهر النيل، تبرز العوامل الاجتماعية والاقتصادية التي تدفع الرجال إلى التعدد، مثل رغبتهم في الحصول على ذرية أو لتسهيل أمور الحياة في ظل قلة الموارد.
ختامًا، تشير الكاتبة إلى ضرورة التفكير في حلول عملية لمواجهة آثار الحرب على المجتمع السوداني، وتقديم رؤية جديدة لتعدد الزوجات تتماشى مع المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية الراهنة.