متابعات _ انباء السودان _
في صباح توتر مشوب بالقلق قبيل اندلاع العاصفة، كانت العاصمة السودانية الخرطوم على موعد مع حدث غير مسبوق. دوّت الرصاصات الأولى من داخل “المدينة الرياضية”، المجمع الذي كان من المفترض أن يكون رمزًا للبطولات والانتصارات، لتعلن بداية واحدة من أعنف المعارك في تاريخ السودان الحديث. ومن حلم رياضي طموح، تحول هذا الصرح إلى كابوس دموي يشهد على بداية حرب مريرة.
الفساد يقود المشروع نحو الخراب
لكن الرصاص لم يكن بداية الكارثة الوحيدة؛ بل سبقه فساد ممنهج، استنزف أموال الدولة وترك المشروع غير مكتمل، قبل أن يتحول إلى نقطة انطلاق لمعركة عسكرية. طوال عقود، كانت “المدينة الرياضية” رمزًا للتطلعات الوطنية، حيث كانت تتم الإشارة إليها كأكبر منشأة رياضية ستضع السودان على خريطة الرياضة العالمية. لكن ملايين الدولارات التي خصصت لإنشائها تبخرت بين عقود وهمية وصرف غير مدروس، لتبقى المنشأة شبه خالية، وتغزوها عناصر “الدعم السريع” بدلاً من الجماهير.
نماذج الفساد: من بيع الأراضي إلى التلاعب بالعقود
تكشف الوثائق المسربة عن فضائح عدة شابت المشروع، بدءًا من تخصيص أراضٍ ضخمة لمؤسسات وأفراد نافذين دون أي رقابة، وصولاً إلى بيع أجزاء من الأراضي لأغراض تجارية أو شخصية. أحد أكبر الفضائح كان بيع جزء من الأرض لإنشاء جسر، وهو القرار الذي أدى إلى تقليص المساحة المخصصة للمنشآت الرياضية.
وعلى صعيد البناء، أُسندت مهمة تنفيذ المشروع لشركات مقاولات لم تلتزم بالجداول الزمنية أو المعايير الهندسية المطلوبة. هذا التراخي والفساد حول المشروع من صرح رياضي إلى أطلال في قلب العاصمة، ليُستغل لاحقًا كمركز عمليات عسكرية في واحدة من أكثر لحظات الحرب السودانية دموية.
التحول الصادم: من الرياضة إلى الرصاص
مع بداية الحرب في الخرطوم، تحولت “المدينة الرياضية” إلى ساحة عمليات عسكرية. أصوات الانفجارات والرصاص كانت تملأ الأجواء، بينما احتلت المدرعات الممرات والمرافق. ويصف سكان الأحياء المجاورة للموقع حالة الذعر التي انتابتهم، حيث اضطروا للركض في الشوارع هربًا من نيران المعركة التي اجتاحت المدينة فجأة، مدفوعة بصوت الرصاص الذي كان إيذانًا باندلاع الحرب.
عودة الحرب إلى نقطة البداية
بعد عامين من اندلاع الحرب، عادت “المدينة الرياضية” لتتصدر الأخبار مجددًا، ولكن هذه المرة على يد القوات السودانية التي استعادت السيطرة على المجمع. المشهد الذي ساد كان رمزيًا بامتياز، إذ أعادت القوات العسكرية السيطرة على النقطة التي شهدت أولى طلقات الحرب، لتتحول المنشأة إلى بؤرة خراب بعد أن كانت حلمًا رياضيًا طالما انتظره السودانيون.
الخاتمة: صندوق أسرار ينتظر الفتح
اليوم، تقف “المدينة الرياضية” شاهدًا على مأساة مزدوجة: فساد إداري ومالي هدر ملايين الدولارات، وتحولها إلى نقطة ارتكاز في صراع عسكري دام. غير أن هذه المنشأة لم تعد مجرد هياكل خرسانية مهجورة؛ بل باتت تمثل صندوق أسرار مليء بالتفاصيل التي قد تكشف عن صفقات فساد دفنت في أعماق السياسة السودانية.
هل ستظل هذه الملفات طي النسيان؟ أم ستتمكن قوى التغيير من فتح هذا الصندوق الأسود لكشف المستور؟ بينما يظل الشعب السوداني في انتظار الإجابة، تظل الحقيقة معلقة في ظل تاريخ طويل من إجهاض المشاريع الوطنية قبل أن تكتمل.