يسير رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس بخطى متقدمة نحو حلحلة عقدة تشكيل الحكومة الجديدة، بعد إحراز تقدم ملحوظ في حواراته مع الحركات المسلحة، وعلى رأسها حركة العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم وحركة تحرير السودان بزعامة مني أركو مناوي. المفاوضات تركزت بشكل أساسي حول مستقبل وزارتي المالية والمعادن، وهما الوزارتان اللتان تصر الحركات المسلحة على الاحتفاظ بهما.
جبريل إبراهيم أبدى موقفًا واضحًا بعدم التفريط في الحقائب التي تولاها مؤخرًا، مؤكدًا أن الحركات المسلحة تعتبر الوزارات الاقتصادية جزءًا من مكاسبها السياسية التي لن تتراجع عنها. ومع ذلك، تسير النقاشات خلف الكواليس بوتيرة إيجابية، حيث نجح كامل إدريس، بحسب مصادر مطلعة، في كسب بعض الثقة من قيادات متشددة داخل هذه الحركات، ما يمنح إشارات باحتمال الوصول إلى تسوية ترضي الأطراف دون الدخول في أزمة سياسية جديدة.
ورغم الجهود التي يبذلها إدريس، فإن حسم أمر الوزارات الحساسة لا يتوقف عنده وحده. مصادر مقربة من دوائر القرار كشفت أن الكلمة الفصل لا تزال بيد المكون العسكري في مجلس السيادة، خاصة الجيش الذي يقوده الفريق أول عبد الفتاح البرهان، بحكم أن اتفاق جوبا للسلام يمنح العسكريين نفوذًا مباشرًا في هذا الملف.
المشاورات السياسية التي يقودها إدريس منذ مطلع يونيو لا تزال مفتوحة على كل الاحتمالات، مع ترجيح أن تتشكل حكومة من 24 حقيبة وزارية كما كان متوقعًا، وذلك في ظل استمرار مشاركة الحركات المسلحة المتحالفة مع الجيش، رغم تعقيدات الحرب مع قوات الدعم السريع.
في خضم هذه الترتيبات، تبدو عودة جبريل إبراهيم ومني أركو مناوي لتولي حقيبتي المالية والمعادن احتمالًا قويًا، خاصة في ظل ما يراه بعض المحللين استمرارًا للتحالف العسكري السياسي الذي يدعم وجودهما كضمان لاستقرار التحالف الحاكم. هذه المعادلة تفرضها الظروف العسكرية التي تعيشها البلاد، ما يجعل تشكيل الحكومة امتدادًا لميزان القوى الميداني وليس فقط نتيجة تفاهمات مدنية.
من جهة أخرى، تتجه الأنظار إلى احتمال أن يتم الإعلان عن الحكومة بشكل جزئي إذا استمرت بعض الخلافات العالقة مع الفصائل المسلحة أو القوى السياسية الأخرى، خصوصًا مع تعقيدات توزيع الوزارات السيادية التي تتطلب توافقات أمنية دقيقة في ظل استمرار الحرب.
وفي موازاة هذه التحركات، برزت مطالب من داخل الحكومة لتفعيل دور وزارة الخارجية في هذه المرحلة الحساسة، عبر الدفع بشخصية دبلوماسية قادرة على استثمار الأدوات السياسية والدبلوماسية لإسناد الحكومة الجديدة دوليًا، وفتح مسارات تواصل فاعلة مع العواصم الإقليمية والدولية المؤثرة.