في ظل أزمة سيولة خانقة تضرب الاقتصاد الوطني في جنوب السودان، فاجأ الرئيس سلفا كير الأوساط السياسية والمالية بكشفه عن وجود شبكة فساد منظم داخل البنك المركزي، تتورط في تحصيل رشاوى تصل إلى 10% من قيمة بعض المعاملات المالية.
الرئيس أصدر تعليمات مباشرة لوحدة الاستخبارات المالية بفتح تحقيق عاجل، مع توجيه التقارير بشكل فوري إلى مكتبه.
جاءت تصريحات كير خلال مراسم أداء اليمين الدستورية لمحافظ البنك المركزي الجديد، الدكتور أديس أبابا أوطو، حيث تحولت المناسبة الرسمية إلى منبر لتحذيرات حادة ومطالبات بإصلاحات فورية داخل المؤسسة المالية الأعلى في البلاد. كير أكد أن هذا السلوك غير الأخلاقي لن يتم التغاضي عنه، داعياً القيادة الجديدة إلى العمل بشفافية وكفاءة لإعادة ثقة المواطنين في النظام المصرفي.
تصريحات الرئيس تزامنت مع تصاعد حاد في أزمة السيولة التي اعترف بها وزير المالية والتخطيط الاقتصادي، الدكتور مريال دونقرين آتير، واصفاً إياها بأنها التحدي الأبرز الذي يواجه البلاد حالياً، رغم جهود الحكومة والبنك المركزي المتواصلة لمعالجتها منذ العام الماضي. الوزير أشار إلى أن الرواتب تصرف بانتظام منذ سبعة أشهر، لكن البنوك تعاني من غياب السيولة النقدية الحقيقية، ما جعل المواطنين عاجزين عن سحب أموالهم رغم وجودها على الورق.
الأزمة ألقت بظلال قاسية على حياة المواطنين، خاصة موظفي القطاع العام الذين يتلقون إشعارات بصرف رواتبهم دون أن يتمكنوا من الحصول عليها. تقارير محلية وثقت معاناة إنسانية مؤلمة، من بينها حالات انهيار معلمين في ولاية غرب الاستوائية نتيجة الجوع بعد تأخر صرف رواتبهم لعدة أشهر.
ويرى خبراء اقتصاديون أن الأزمة تتجاوز المعالجات النقدية السطحية وتمتد إلى عمق أزمة الثقة بين المواطن والمؤسسات المالية. كما أشاروا إلى أن الطريق نحو استعادة الاستقرار المالي يمر عبر إصلاحات هيكلية جذرية داخل القطاع المصرفي، مع ضرورة فرض شفافية صارمة ومحاسبة كل من يثبت تورطه في الفساد.
التحدي الحقيقي الآن يقع على عاتق المحافظ الجديد الذي يواجه ضغوطاً من الشارع ومن قيادة الدولة لمعالجة الأزمة بسرعة وبفعالية ملموسة، في وقت يتوقع فيه المواطنون أن تشهد المرحلة المقبلة تغييرات حقيقية في الأداء المالي للدولة.