عاد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب مجددًا لإثارة الجدل حول رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، ملوّحًا هذه المرة بإمكانية مراجعة موقفه السابق بشأن استمراره في المنصب، بعد أن كان قد استبعد هذا الخيار علنًا من قبل.
ترامب استغل منشورًا مطولًا على منصته “تروث سوشيال” ليجدد هجومه على سياسات البنك المركزي، خاصة ما يتعلق بإدارة أسعار الفائدة، مع ترك رسائل مبطنة حول احتمال اتخاذ خطوات أكثر حدة في حال عودته إلى البيت الأبيض.
في منشوره، ألمح ترامب إلى أنه ربما يعيد التفكير في مسألة إقالة باول، مشيرًا إلى أن فترة ولايته تنتهي قريبًا، دون أن يوضح إن كان جادًا أم يكتفي بتوجيه ضغط سياسي على الفيدرالي.
ورغم أن القانون الأمريكي يمنح رئيس الفيدرالي استقلالية شبه محصنة ضد التدخلات السياسية، إلا أن ترامب يبدو عازمًا على تحدي هذه التقاليد المؤسسية، خصوصًا مع تصاعد الجدل حول فعالية السياسات النقدية في مواجهة تباطؤ الاقتصاد وارتفاع نسب التضخم.
ترامب لم يُخفِ انزعاجه مما وصفه بتباطؤ باول في خفض أسعار الفائدة، مشيرًا إلى أنه استخدم كل الوسائل الممكنة للضغط عليه، لكن دون جدوى. ويرى مراقبون أن هذه التصريحات تمثل استمرارا لمحاولات ترامب السابقة للتأثير على قرارات البنك المركزي، في وقت يعتبر فيه الفيدرالي مؤسسة مستقلة يفترض أن تعمل بمعزل عن الضغوط السياسية المباشرة.
ولم تكن هذه المرة الأولى التي يلوّح فيها ترامب بعزل باول، فقد أطلق تصريحات مشابهة خلال فترة رئاسته، لكنه غالبًا ما كان يتراجع عنها لاحقًا، ربما حرصًا على تجنّب هزات في الأسواق المالية.
ففي يونيو الماضي، صرح ترامب بوضوح أنه لا يعتزم إقالة باول، ما فُهم حينها كمحاولة للتهدئة واحتواء القلق داخل الأوساط الاقتصادية.
على الصعيد القانوني، تبقى مسألة إقالة رئيس الاحتياطي الفيدرالي معقدة للغاية، حيث يتطلب الأمر إثبات مخالفات جسيمة أو سلوك غير قانوني، وهي معايير يصعب استيفاؤها في مثل هذه الحالات.
ومع ذلك، لا يُخفي ترامب رغبته في اختبار حدود النظام الأمريكي وقدرته على تحدي القواعد الراسخة التي تحمي المؤسسات المستقلة.
باول الذي من المفترض أن تنتهي ولايته في مايو 2026، قد يظل في منصبه حتى منتصف الولاية الرئاسية المقبلة، ما لم يتم تعيين بديل له.
مصادر قريبة من فريق ترامب الانتخابي تحدثت عن أن الأخير بدأ في إعداد قائمة بأسماء مرشحين محتملين لخلافة باول، في حال لم يُجدد له، أو إذا قرر ترامب استبداله في حال فوزه بالانتخابات.
وكان الفيدرالي قد قرر مؤخرًا الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير، في وقت تتزايد فيه التوقعات بتباطؤ الاقتصاد وارتفاع معدلات البطالة والتضخم، وهي قرارات اعتبرها ترامب تجاهلًا لمتطلبات الواقع الاقتصادي الحالي، الذي يرى أنه بحاجة ماسة إلى سياسات تحفيزية أكثر مرونة.
في خلفية هذه التصريحات، تبدو الرسائل السياسية واضحة. فترامب يسعى لتعزيز صورته كمرشح قادر على “ضبط الإيقاع الاقتصادي” وإعادة السيطرة على المؤسسات التي يعتبرها جزءًا من منظومة تعرقل طموحاته الاقتصادية.
التهديد بإقالة باول قد لا يكون قرارًا فعليًا بقدر ما هو تحرك محسوب لكسب تعاطف قاعدته الانتخابية وإرسال إشارات مدروسة لأسواق المال بأنه سيكون له موقف مختلف إذا عاد إلى السلطة.