ميرغني : السودان يحتاج إلى نظام لا إلى منقذ
متابعات _أنباءالسودان _ في ظل الأوضاع الحالية التي يعيشها السودان، يتساءل العديد من المواطنين: من هو “المنقذ” الذي سيخرج البلاد من أزماتها المتعددة؟ جاء هذا التساؤل بعد إشادتي بأسلوب الدكتور محمد طاهر إيلا الإداري، الذي حقق نجاحات ملحوظة في ولايتي البحر الأحمر والجزيرة.
لكن، الحقيقة المؤلمة التي يجب الاعتراف بها هي أن السودان لا يحتاج إلى شخص واحد ليكون منقذًا، بل إلى تغيير جذري في النظام السياسي والإداري بشكل كامل.
إذا كانت الإجابة على هذا السؤال ستقتصر على أي اسم من الأسماء المطروحة في المشهد السياسي، أو حتى من أولئك الذين يعملون خلف الكواليس رغم أن أعمالهم واضحة للعيان، فإن النتيجة الحتمية ستكون استنزاف الأمل في التغيير، وتفاقم حالة الإحباط التي يعاني منها الشعب السوداني من جراء التجارب الفاشلة التي مر بها.
لقد أصبح انتظار التغيير من شخص أو حزب واحد مسألة غير مجدية في ظل هذا الواقع.
في رأيي، لا يمكن أن يكمن الحل في شخص واحد، بل في إعادة تصميم طريقة إدارة الدولة بالكامل. إذا كنت أفكر في الأمر ببساطة، فالسودان يشبه سيارة قديمة مليئة بالأعطال، والتي لا تتحرك إلا بصعوبة، وغالبًا ما تواجه الحوادث بسبب ضعف القيادة ورداءة الطريق.
في هذا الإطار، لا يمكن الاكتفاء بتغيير السائق، سواء كان فردًا أو حزبًا، لأن المشكلة تتجاوز ذلك إلى طريقة القيادة نفسها.
النظام الجديد: التحول إلى “سوفت وير” متقدم
الحديث عن “السوفت وير” لا يعني مجرد تغيير في الأشخاص أو الهيكل، بل يتجاوز ذلك إلى تغيير جذري في طريقة إدارة البلاد. إذا كان بإمكاننا أن نتخيل أن هذه “السيارة القديمة” التي تمثل الدولة تتحول إلى طائرة حديثة مزودة بأنظمة كمبيوتر وملاحة متطورة، فإن القيادة ستصبح محكومة بأنظمة دقيقة، تقلل من المخاطر البشرية.
هنا، حتى لو كان الطيار مبتدئًا أو خبيرًا، فالسيستم هو الذي يوجه الرحلة بدقة، ويحدد السرعة، الارتفاع، المسار، وكل شيء آخر لضمان سلامة الطائرة.
في هذه الحالة، يصبح الشخص المسؤول (الطيار) مجرد عامل ضمن النظام المتكامل، ولا يؤثر تغييره على مصير الرحلة ما دام السوفت وير يعمل بكفاءة. النظام هو الذي يحدد كل شيء، وليس مجرد الأشخاص في مناصبهم.
كيف نحقق ذلك؟
التحول إلى هذا النظام يتطلب تشريعات جذرية يسنها المجلس التشريعي (البرلمان) بهدف إعادة هندسة الطريقة التي تُدار بها الدولة. يجب أن تركز هذه التشريعات على توازن السلطات لضمان أن تكون جميع القرارات السياسية محكومة بمراجعة دقيقة من كافة الأطراف. المسؤولية يجب أن تكون واضحة في كل خطوة، بحيث يتحمل كل فرد في السلطة تبعات قراراته.
لا يمكن أن يستمر الحال كما هو الآن، حيث يُنتظر التغيير من شخص واحد أو حزب محدد. الشعب السوداني بحاجة إلى نظام إداري وسياسي يسهم في إحداث التغيير الفعلي، ويعتمد على المؤسسات بدلاً من الاعتماد على الأفراد. المطلوب هو إعادة تشكيل الدولة عبر أنظمة تضمن استدامة الأداء وتقليل المخاطر.
النهاية: السودان يحتاج إلى نظام، لا إلى شخص
ما يحتاجه السودان اليوم ليس “منقذًا” بشخصية خارقة، بل نظامًا منقذًا يعمل بكفاءة وشفافية، ويستجيب لمطالب الشعب بعيدًا عن التدخلات الفردية. التغيير يجب أن يبدأ من داخل النظام نفسه، بحيث لا تقتصر المسؤولية على الأفراد، بل على النظام الذي يقوده ويحقق العدالة والتنمية لشعبه.